حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ (الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) شَقَّ ذَلِكَ عَلى الْمُسْلِمينَ؛ فَقالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّنا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّما هُوَ الشِّرْكُ؛ أَلَمْ تَسْمَعُوا ما قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهوَ يَعِظهُ (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكُ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
الشرح:
في الحديث بيان للإيمان الصادق الخالي من القوادح الذي ينجي صاحبه يوم القيامة.
ولما نزلت هذه الآية التي ذكر الله فيها وصف المؤمنين الذين لم يخلطوا إيمانهم بظلم أشكل فهم الآية على الصحابة رضي الله عنهم ووجدوا في تطبيقها والعمل فيها مشقة ظاهرة لأنه لا أحد يخلو من ظلم نفسه فسألوا رسول الله فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الظلم المذكور في الآية ليس الظلم المعهود لهم المتبادر لأفهامهم وإنما المراد به هو الشرك بالله غيره من ملك أو نبي أو شجر أو صنم ونحوه.
واستدل صلى الله عليه وسلم بقول لقمان في موعظة ابنه ووصفه الشرك بالظلم العظيم وإنما كان الشرك ظلما لأنه صرف العبادة المستحقة لله لغير الله فحقيقته وضع العبادة في غير موضعها وهذا هو أصل الظلم وكان عظيما لأن أعظم الظلم ما كان في حق الله.
فالإيمان الصادق والتوحيد الخالص ما خلا من الشرك الأكبر خلافا لمشركي أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ولكن يشركون معه الملائكة والأنبياء وكذلك مشركو العرب يؤمنون بالله ويشركون معه الأصنام في نفس الوقت يتقربون إليها بأنواع القرب وكذلك سائر أصناف الكفار عندهم نوع إيمان بالله ولكنه مخلوط بالشرك فلا ينفعهم ذلك.
والتوحيد الخالص أيضا ما خلا من الشرك الأصغر من رياء وحلف بغير الله وتعلق بغير الله من الأوهام.
ومن حقق التوحيد وأخلص إيمانه كان جزاؤه الأمن والهداية في الدنيا والآخرة.
وفي الحديث دليل على أن القرآن يفسر بعضه بعضا فما أجمل وأطلق وعمم في آية يبينه ويقيده ويخصصه آية أخرى إن كانت صالحة لذلك وقد سلك الصحابة هذا المنهج في التفسير. وفيه دليل على أهمية تربية الولد على العناية بإخلاص التوحيد وتجنب الشرك بجميع صوره وترسيخ مبادئ العقيدة في نفس الطفل بأسلوب مباشر ولغة واضحة خالية من التعقيد.
وهذا هو منهج الرسل صلوات الله عليهم خلافا للجهلة الذين ينكرون هذا المبدأ ويعيبونه في مناهج التعليم. وفي الحديث دليل على أن المؤمن مهما كان معرض للخطأ والتقصير في جنب الله لأن الصحابة أقروا بظلم أنفسهم وهذه هي الطبيعة البشرية لكن الشأن في المعالجة والتطهير.
والحاصل أن الإيمان ثلاثة أقسام باعتبار إخلاصه وأثره:
1- إيمان تام خال من الشرك الأكبر والأصغر يتحقق فيه الأمن والهداية التامة في الدنيا والآخرة وهذا حال الكمل من الموحدين من الرسل وخاصتهم.
2- إيمان ناقص خال من الشرك الأكبر مختلط بالشرك الأصغر يتحقق فيه الأمن والهداية الناقصة وصاحبه متعرض للوعيد في الآخرة ولكنه لا يخلد في النار وهذا هو حال المقصرين من الموحدين.
3- إيمان فاسد مختلط بالشرك الأكبر لا يكون صاحبه من المؤمنين في الدنيا ولا ينفعه في الآخرة مخلد في النار ولا يدخل الجنة وهذا حال سائر المشركين من أهل الكتاب وغيرهم.
الكاتب: خالد بن سعود البليهد
المصدر: منتديات شبكة للآلئ العلم